قصة ام

story-of-mother-02b

عن اسطورة رمزية بعنوان “قصة ام” للمؤلف الدانمركي الشهير “هانز كريستيان اندرسن”. وهي تحكي قصة ام اختطف الموت منها طفلها الحبيب، ترجمها شعرا الشاعر “خليل جرجس خليل”

في سرير لاصق بالارض في حجرة ناء

قد ثوى طفل مريض ضائق بالبرحاء

كل شئ حوله يوحي بيأس وعناء

ضيقة، في خيفة، في ظلمات، في شقاء

فمن لطفل ثقلَ عليه الداء بالدواء؟

***

مشت الام اليه بفؤاد مستطير

اخذت مجلسها في قلق عند السرير

وهي تدعو الله ان يكفيه سوء المصير

فاذا الظلمة تنجاب بنور فوق نور

ان قلب الام نبراس سماوى الضياء

كانت الليلة في قسوة ايام الشتاء

ذات ريح صرصر تصفر من حول البناء

وثقوب الباب تزجي في اثر الهواء

فيهز الجسم بالرعدة او بالبرداء

هل عجمت الريح والاعصار ليلا في العراء؟

***

فجأ رنّ صدى صوت لاقدام صريح

وبدا شيخ تزيّ بسواد ومسوح

فارع القامة، كث الشعر، ذو وجه قبيح

ودنا متخذا مقعده قرب السطيح

وهو يهتز من البرد ومن قر المساء

***

ذكرت ايامها المرأة تمضى كالسراب

طفلة كانت بحجر الام في عهد الدعاب

 ثم صارت كاعبا هيفاء لقاء الاهاب

ثم جاء الزوج . كان الزوج في شرخ الشباب

وتولى حين جاء الطفل عن دنيا الشقاء

ثم اغفت وهي مستغرقة في الذكريات

وافاقت وهي في ذعر تجيل النظرات

اختفى الضيف واخفى طفلها في لحظات

لم تجد اي اثر في البيت او في الطرقات

غير ما كان يغطي الطفل من رث الثياب

***

هرولت في الطرقات تبكي في صراخ والتياع

حدقت ناظريها تبحث في شتى البقاع

علها تظفر بالهارب في اي يفاع

فتعيد الطفل مهما لج معها النزاع

وهي ولهى تندب الحظ وايام الصفاء

***

 قابلتها امرأة في عارضيها الظلمات

سلمت وابتدرت قائلة اين النجاة؟

حمل الشيخ ابنك العاني واخفته الفلاة

انه “الموت”! عدو العيش مذ كانت حياة

قائم بينهما ثأر مثالي العداء

***

220px-page_221_illustration_in_fairy_tales_of_andersen_stratton

سألتها وهي تبكي : اين هذا الموت غاب؟

فاجابت “ملكة الليل” : اذا كفى انتحاباُ

وتغن بأغانيك اذا رمت جوابا

.. من اهازيجك للطفل، ولا تبد عتابا

انني كابنك، مشغوف كلانا بالغناء

***

غنت الام وغنت، وهي في هم ثقيل

ثمة عويل كالتغني، وغناء كالعويل

افرغت كل اغانيها مع الدمع المسيل

.. قالت الملكة : سيري الان في هذا السبيل

واشارت صوب سمت الشرق في قلب الفضاء

***

ركضت من فورها تدفعها اللهفة دفعا

لا ظلام الليل او قض الثرى يملك منعا

وانتهى الطوف بها في موضع اشكل وضعا

بدأت منه طريقان .. فأى فيه تسعى؟

وقفت حيرى على جمر ومضّ واستياء

***

لمحت ايكة شوك من بعيد، بعد جهد

وهي جرداء تعاني من صقيع مستبد

فبدت بالشوككالهيكل عظما دون جلد

وتراءت “ملكة الغاب” ، فناجتها بجد:

اختي الحسناء دليني على السير السواء

***

فاجابت : هذه الايكة تقضي، بالصقيع

واذا ماشئت توجيهك للقصد السريع

فالى صدرك ضميها واحناء الضلوع

قلبك الدافق ماءا ودما، مثل الربيع

ينبت الزهر ويقصي عنه اثار الشتاء

***

لم تمانع . فانحنت واحتضنتها في حنان

فانبرى من جذعها للجسم شوك كالسنان

واراق الدم مدرارا بارجاء المكان

فانتشت وانتعشت بالري تحدوها الاماني

قالت “الملكة”: سيري عن يمين في مضاء

***

اسرعت دامية القلب وقد خارت قواها

في فلا ضاربة في البعد مسنون ثراها

كم كبت ضعفا! ولكن لم يزايلها رجاها

.. واخيرا بلغت نهرا وقد فاض مياها

حيث الفت غادة عمياء زرقاء الرداء

***

صاحت المرأة : من يحملني للموت فورا؟

فاجابت “ملكة الماء”: اعدي لي اجرا

امنحيني نور عينيك احط بالكون خبرا

وهبيني ناظريك الان انظرا واقرا

ذاك شرطي ان اردت اليوم تحقيق الرجاء

***

ذرفت حزنا دموعا من مآقيها غزيرة

نزعت بالجهد عينيها، وقد امست ضريرة

وهنا “الملكة” بالوعد وفت وهي قريرة

حملتها فوق سطح الماء فاستطاعت عبوره

واهتدت للشاطئ الثاني المؤدي للعلاء

***

لقيت ثمة عجوزا وقفت منها قريبا

انحنت قامتها واشتعل الرأس مشيبا

قالت الشمطاء: “كيف اجتزت هاتيك الدروبا

في شعاب قد تضل اللب او تعي اللبيبا؟

فاجابت : انا ثكلى.. هل ابالي بعناء؟

***

خضت ماءا وسعيرا وصحارى وبحورا

قوتي خارت وكاد الجهد منى ان يخورا

افلا ارشدتني “للموت” القاه اخيرا!

قالت الشمطاء، مهلا: اني لي شرطا خطيرا

هو ان اخذ لي من شعرك الجون كفائي

***

صاحت الام: انزعي ما شئت من شعري وسيري

فمضت جذلى وقادتها الى اقصى الغدير

وتناهت في سراها عند بستان نضير

عبق مزدهر بالورد رفاف الزهور

ثم قالت: ههنا فانتظري وقت اللقاء

***

iilustration_by_vilhelm_pedersen_for_hans_christian_andersens_22red_shoes22

بعد مدة اقبل “الموت” رهيبا ذا جلال

رمق المرأة والدهشة توحي بالسؤال:

كيف جئت الان؟ كيف اجتزت وادي ظلالي

لم تبالي ببحار او صحار او جبال؟

يالام ثاكل ليس لها من نظراء!!

***

سألته : اين يا موت وليدي وسميري

فاشار الموت للازهار والغرس النضير

قائلا: هذا الذي تلقين – من غرس القدير!

خلّفوا امهم الاولى الى المثوى الاخير

حيث ينمون ويبقون الى غير انتهاء

***

انظري.. هانذا انقل غرس ابنك حالا

سيلاقي الله في فردوسه، جل جلاله

وانحنى ينتزع الغرس وقد راع جمالا

لكن المرأة حاطته تفاديه منالا

وتقول: الله لا يحرمني سر عزائي!

***

بسط “الموت” يديه فتبدت درتان

هتف: الغيب تراه تانك الجوهرتان!

ابصري الان رؤى الغيب واسرار الزمان

وانظري في هذه البئر ففيها صورتان

لابنك الميت على شقي نقيض وعداء

***

رأت الام ابنها شب عن الطوق وايفع

فاذا البر المرجي، من لبن الشر يرضع!

واذا المجرم الافاك والخاطي المضيع!

زين ورأته وهو طفل مثل طيب يتضوع

طاهر الذيل، نقي الثوب، زين الابرياء

***

نازعتها برهة شتى الاحاسيس المثيرة

كم عليه علقت من قبل امالا كبير!ة

لكن الغيب اراها في ثناياه شرورا

واذاُ فليرتفع كالزهر الريّا النضيرة

قبل ان يقترف الاثم ويمنى بالشقاء

***

andersen-1889-28b

وجئت فورا وصلّت يترضاها العزاء

ليسكن يا رب لا ما شئته، بل ما تشاء

لا تجب الا الذي ترضاه، اذ يزجى الدعاء

.. ثم عادت وحدها والقلب يحدوه الرجاء

وابنها يحمله الموت الى دار البقاء

أضف تعليق